|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى: {كِرَامٍ} أي: على ربِّهم {بَرَرَةٍ} أي: مطيعين.قال الفراء: واحد {البررة} في قياس العربية: بَارٌّ، لأن العرب لا تقول: فَعَلَة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل، مثل كافر، وكَفَرة، وفاجر، وفَجَرَة.قوله تعالى: {قتل الإنسان} أي: لعن.والمراد بالإنسان هاهنا: الكافر.وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال.أحدها: أنه أشار إلى كل كافر، قاله مجاهد.والثاني: أنه أُمية بن خلف، قاله الضحاك.والثالث: عتبة بن أبي لهب، قاله مقاتل.وفي قوله تعالى: {ما أكفره} ثلاثة أقوال.أحدها: ما أشد كفره، قاله ابن جريج.والثاني: أي شيء أكفَره؟ قاله السدي.فعلى هذا يكون استفهام توبيخ.الثالث: أنه على وجه التعجُّب، وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى: اعجبوا أنتم من كفره، قاله الزجاج.قوله تعالى: {من أيِّ شيءٍ خَلَقَه} ثم فسره فقال تعالى: {من نطفةٍ خَلَقه}، وفي معنى {فقدره} ثلاثة أقوال.أحدها: قدَّر أعضاءه: رأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه، قاله ابن السائب.والثاني: قدَّره أطواراً: نطفة، ثم علقة، إلى آخر خلقه، قاله مقاتل.والثالث: فقدره على الاستواء، قاله الزجاج.{ثم السبيل يسَّره} فيه قولان.أحدهما: سهَّل له العلم بطريق الحق والباطل، قاله الحسن، ومجاهد.قال الفراء: والمعنى: ثم يسره للسبيل.والثاني: يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه، قاله السدي، ومقاتل.قوله تعالى: {فأقبرَه} قال الفراء: أي: جعله مقبوراً، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير، فكأنَّ القبر مما أُكْرِم به المسلم.ولم يقل: قبره، لأن القابر هو الدافن بيده.والمُقْبِرُ الله، لأنه صيَّره مقبوراً، فليس فعله كفعل الآدمي.والعرب تقول: بَتَرْتُ ذَنَبَ البعير، والله أبتره. وَعضَبْتُ قَرْنَ الثور، والله أَعْضَبَه. وطردتُ فلاناً عني، والله أطرده، أي: صيَّره طريداً.وقال أبو عبيدة: {أقبره}: أي أمر أن يقبر، وجعل له قبراً.قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحاً، فقال: دونكموه.والذي يدفن بيده هو القابر.قال الأعشى: قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} أي: بعثه.يقال: أنشر الله الموتى، فَنُشِرُوا، ونَشَر الميِّتُ: حَيِيَ هو بِنَفْسه، وواحدهم ناشر.قال الأعشى: قوله تعالى: {كلا} قال الحسن: حقاً {لمّا يقضِ ما أمره} به ربُّه، ولم يؤدِّ ما فرض عليه.وهل هذا عام، أم خاص؟ فيه قولان.أحدهما: أنه عام.قال مجاهد: لا يقضي أحد أبداً كُلَّ ما افترض الله عليه.والثاني: أنه خاص للكافر لم يقض ما أُمِرَ به من الإيمان والطاعة، قاله يحيى بن سلام.ولما ذَكَر خَلْق ابن آدم، ذكر رزقه ليعتبر وليستدلَّ بالنبات على البعث، فقال تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} قال مقاتل: يعني به عتبة بن أبي لهب.ومعنى الكلام: فلينظر الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي جعله سبباً لحياته؟ ثم بين فقال تعالى: {أنّا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر {أنا} بالكسر.وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {أنا صببنا} بفتح الهمزة في الوصل وفي الابتداء، ووافقهم رويس على فتحها في الوصل، فإذا ابتدأ كسر.قال الزجاج: من كسر {أنا} فعلى الابتداء والاستئناف، ومن فتح، فعلى البدل من الطعام، المعنى: فلينظر الإنسان أنا صببنا.قال المفسرون: أراد بصب الماء: المطر.{ثم شققنا الأرض} بالنبات {شقاً فأنبتنا فيها حبًّا} يعني به جميع الحبوب التي يُتَغَذَّى بها {وعِنَباً وقَضْباً} قال الفراء: هو الرَّطبة.وأهل مكة يسمون القَتَّ: القضب.قال ابن قتيبة: ويقال: إنه سمي بذلك، لأنه يُقْضَبُ مرة بعد مرة، أي: يقطع، وكذلك القَصيل، لأنه يُقْصَلُ، أي يقطع.قوله تعالى: {وزيتوناً ونخلاً وحدائق غُلْباً} قال الفراء: كل بستان كان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل: حديقة.والغُلْب: ما غلظ من النخل.قال أبو عبيدة: يقال: شجرة غَلْباء: إذا كانت غليظة.وقال ابن قتيبة: الغُلب: الغِلاظ الأعناق.وقال الزجاج: هي المتكاثفةُ، العظامُ.قوله تعالى: {وفاكهة} يعني: ألوان الفاكهة {وأبأ} فيه قولان.أحدهما: أنه ما ترعاه البهائم، قاله ابن عباس، وعكرمة، واللغويون.وقال الزجاج: هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية.والثاني: أنه الثمار الرطبة، رواه الوالبي عن ابن عباس.{متاعاً لكم ولأنعامكم} قد بَيَّنَّاه في السورة التي قبلها [النازعات: 33].قوله تعالى: {فإذا جاءت الصاخة} وهي الصيحة الثانية.قال ابن قتيبة: الصاخة تصِخُّ صَخَّاً، أي: تُصِمُّ.يقال: رجل أصخ، وأصلخ: إذا كان لا يسمع.والداهية صاخة أيضاً.وقال الزجاج: هي الصيحة التي تكون عليها القيامة، تصخ الأسماع، أي: تصمها، فلا تسمع إلا ما تدعى به لإحيائها.ثم فسر في أي وقت تجيء، فقال تعالى: {يوم يَفِرُّ المرء من أخيه} قال المفسرون: المعنى: لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه، لِعِظَم ما هو فيه.قال الحسن: أول من يَفِرُّ من أخيه هابيل، ومن أُمه وأبيه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح.وقال قتادة: يفر هابيل من قابيل، والنبي صلى الله عليه وسلم من أُمه، وإبراهيم من أبيه، ولوط من صاحبته، ونوح من ابنه.قوله تعالى: {لكل امرئٍ منهم يومئذ شأن يغنيه} قال الفراء: أي: يَشْغَلُه عن قرابته.وقال ابن قتيبة: أي: يَصْرِفه ويصدُّه عن قرابته، يقال: اغْنِ عني وجهك، أي: اصرفه، واغْن عني السفيه.وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، وأبو العالية، وابن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي عبلة، {يَعنيه} بفتح الياء والعين غير معجمة.قال الزجاج: معنى الآية: له شأن لا يقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره.وكذلك قراءة من قرأ: {يغنيه} بالغين، معناه: له شأن لا يهمه معه غيره.وقد روى أنس بن مالك قال: «قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراةً؟ قال: نعم.قالت: واسوءتاه، فأنزل الله تعالى: {لكل امرئٍ منهم يومئذ شأن يغنيه}».قوله تعالى: {وجوه يومئذ مُسْفِرة} أي: مضيئة قد علمت ما لها من الخير {ضَاحِكَةٌ} لسرورها {مستبشرة} أي: فرحة بما نالها من كرامة الله عز وجل {ووجوه يومئذ عليها غَبَرة} أي: غبار.وقال مقاتل: أي سواد وكآبة {ترهقها} أي: تغشاها {قَتَرة} أي: ظُلمة.وقال الزجاج: يعلوها سواد كالدخان.ثم بَيَّن مَنْ أَهْلُ هذه الحال، فقال تعالى: {أولئك هم الكَفَرة الفَجَرة} وهو جمع كافر وفاجر. اهـ.
|